responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 302
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 17]
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارا.
أَعْقَبَتْ تَفَاصِيلَ صِفَاتِهِمْ بِتَصْوِيرِ مَجْمُوعِهَا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ، بِتَشْبِيهِ حَالِهِمْ بِهَيْئَةٍ مَحْسُوسَةٍ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ تَشْبِيهِ التَّمْثِيلِ، إِلْحَاقًا لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمَعْقُولَةِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَحْسُوسَةِ، لِأَنَّ النَّفْسَ إِلَى الْمَحْسُوسِ أَمِيلُ.
وَإِتْمَامًا لِلْبَيَانِ بِجَمْعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي السَّمْعِ، الْمِطَالَةُ فِي اللَّفْظِ، فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ لِلْإِجْمَالِ بَعْدَ التَّفْصِيلِ وَقْعًا مِنْ نفوس السامعين.
وتقريرا لجَمِيع مَا تَقَدَّمَ فِي الذِّهْنِ بِصُورَةٍ تُخَالِفُ مَا صُوِّرَ سَالِفًا لِأَنَّ تَجَدُّدَ الصُّورَةِ عِنْدَ النَّفْسِ أَحَبُّ مِنْ تَكَرُّرِهَا. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَلِضَرْبِ الْعَرَبِ الْأَمْثَالَ وَاسْتِحْضَارِ
الْعُلَمَاءِ الْمَثَلَ وَالنَّظَائِرَ شَأْنٌ لَيْسَ بِالْخَفِيِّ فِي إِبْرَازِ خَبِيَّاتِ الْمَعَانِي وَرَفْعِ الْأَسْتَارِ عَنِ الْحَقَائِقِ حَتَّى تُرِيَكَ الْمُتَخَيَّلَ فِي صُورَةِ الْمُحَقَّقِ وَالْمُتَوَهَّمَ فِي مَعْرِضِ الْمُتَيَقَّنِ وَالْغَائِبَ كَالْمَشَاهَدِ» .
وَاسْتِدْلَالًا عَلَى مَا يَتَضَمَّنُهُ مَجْمُوعُ تِلْكَ الصِّفَاتِ مِنْ سُوءِ الْحَالَةِ وَخَيْبَةِ السَّعْيِ وَفَسَادِ الْعَاقِبَةِ، فَمِنْ فَوَائِدِ التَّشْبِيهِ قَصْدُ تَفْظِيعِ الْمُشَبَّهِ.
وَتَقْرِيبًا لِمَا فِي أَحْوَالِهِمْ فِي الدِّينِ مِنَ التَّضَادِّ وَالتَّخَالُفِ بَيْنَ ظَاهِرٍ جَمِيلٍ وَبَاطِنٍ قَبِيحٍ بِصِفَةِ حَالٍ عَجِيبَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْعَالَمِ فَإِنَّ مِنْ فَائِدَةِ التَّشْبِيهِ إِظْهَارَ إِمْكَانِ الْمُشَبَّهِ، وَتَنْظِيرَ غَرَائِبِهِ بِمِثْلِهَا فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ. قَالَ فِي «الْكَشَّافِ» : «وَلِأَمْرٍ مَا أَكْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ أَمْثَالَهُ وَفَشَتْ فِي كَلَام رَسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَام الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت: 43] اهـ.
وَالتَّمْثِيلُ مَنْزَعٌ جَلِيلٌ بَدِيعٌ مِنْ مَنَازِعِ الْبُلَغَاءِ لَا يَبْلُغُ إِلَى مَحَاسِنِهِ غَيْرُ خَاصَّتِهِمْ. وَهُوَ هُنَا مِنْ قَبِيلِ التَّشْبِيهِ لَا مِنَ الِاسْتِعَارَةِ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ وَأَدَاةِ التَّشْبِيهِ وَهِيَ لَفْظُ مَثَلٍ. فَجُمْلَةُ: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا وَاقِعَةٌ مِنَ الْجُمَلِ الْمَاضِيَةِ مَوْقِعَ الْبَيَانِ وَالتَّقْرِيرِ وَالْفَذْلَكَةِ، فَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا كَمَالُ الِاتِّصَالِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ وَلَمْ تُعْطَفْ، وَالْحَالَةُ الَّتِي وَقع تمثيلها سيجيئ بَيَانُهَا فِي آخِرِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ.
وَأَصْلُ الْمَثَلِ بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ النَّظِيرُ وَالْمُشَابِهُ، وَيُقَالُ أَيْضًا مِثْلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الثَّاءِ،

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 302
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست